بين الماضي والحاضر التفرقه العنصريه بقلم المفكر الكبير علي جار الله
الأبارتايد – الفصل العنصري
الفصل العنصري هو نظام سياسي كان يمارس سابقاً في جنوب أفريقيا و يعمل على فرض التفرقة العرقية و الهيمنة و القمع بوضوح من جانب فئة عرقية على فئة أخرى.
اشتهر هذا النظام في جنوب افريقيا منذ 1948م حتى تم إلغائه في 1991م، و كانوا يسمونه "ابارتايد" و تعني "النبذ"، حيث كانت الأقلية البيضاء تمارس الفصل العنصري ضد الأكثرية السوداء اهل البلد.
ذهب الصحفي الجنوب افريقي "نعيم جيناه" لزيارة الأراضي المحتلة في فلسطين، و كتب موضوعاً يتحدث عن ما شاهده من فصل العنصري ضد الفلسطينيين، و كيف يتم التصنيف بين السكان، و اختيار مكان الإقامة للفلسطينيين، و حصر تنقلاتهم، و تحدث عن الإرهاب الصهيوني ضد اهل الأرض الفلسطينيين، و أقر بأن الفصل العنصري الصهيوني اسوأ بكثير مما كان عليه في جنوب افريقيا.
و يُذكر ان رجلاً اسوداً من جنوب افريقيا اسمه "دينيس غولدبرج"، و هو من المواطنين الذي حوكموا مع نيلسون مانديلا في محاكمة ريفونيا (1963-1964)، و اطلق سراحه بعد 22 عاماً، و قرر الإنتفاء الى فلسطين المحتلة، و لكن عندما وصل اليها و رأى الجرائم الصهيونية ضد الفلسطينيين؛ قال أن إسرائيل هي النظير الشرق اوسطي للفصل العنصري في جنوب افريقيا، ثم غادرها فوراً ليعيش في بريطانيا.
إذا اعتبرنا ان الأبارتايد في جنوب افريقيا سيئ، فالأبارتايد الصهيوني ضد الفلسطينيين هو الأسوأ، فالصهاينة يقسمون الأراضي، و يبنون جدراناً تفصل القرى و الساحات، و يفصلون المزارعون عن حقولهم، و يُطوقون مدينة قلقيلية لعزلها عن بقية العالم، الفصل العنصري في جنوب افريقيا كان البيض يتمتعون بإمتيازات عن السود، اما في فلسطين المحتلة اليهودي المحتل يتمتع بكل الإمتيازات عن الفلسطيني.
الفصل العنصري في جنوب افريقيا كان يرتكز على ثلاث ركائز:-
الترسيم الرسمي للسكان في مجموعات عرقية، فيأتي في المقدمة البيض، ثم الهنود، ثم المولدون او الملونون، و اخيراً الأفارقة السود، و كان تعليم البيض متقدم و يختلف عن تعليم المجموعات الأخرى.
يجبرون مجموعات مختلفة للعيش في مناطق جغرافية مختلفة، و يمنع حركتهم بين المناطق، و سموا المناطق الذي يسكنها السود "بانتوستان" اي وطن السود، و كان الهدف من هذا حرمان السود من المواطنة و الجنسية في جمهورية جنوب افريقيا، و كان لا يسمح للهنود و الملونون دخول البانتوستان، لهذا عملت حكومة الفصل العنصري على إعتبارهم شركاء صغار.
و في شؤون الأمن كان تستعمل ادوات القمع، و الإعتقال الإداري و التعذي و الرقابة و الحضر و القتل خارج نطاق القضاء، و كان القمع يستهدف من يخالفون تصاريح المرور و من يمارسون حريتهم في التعبير، و ضد من يتزوج او لهم علاقة جنسية خارج التقسيم العرقي.
و كان الصهاينة يمارسون الفصل العنصري في الأراضي المحتلة على نفس الركائز الثلاث تقريباً و هي:
يقسم الصهاينة السكان الى مجموعتين يهود و غير يهود، و عكس ما كان عليه الفصل العنصري في جنوب افريقيا، فقانون الصهاينة يحدد منه هو اليهودي، و يمنح اليهود في جميع انحاء العالم الحق في الهجرة اللا الأراضي المحتلة، و يمنحهم الجنسية، و هذا النظام يمنح امتيازات لمواطنين اليهود على غير اليهود في الأرض المحتلة.
الصهاينة يدعون ان اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، على الرغم ان عدد اليهود في إسرائيل تقريبا 9,915 مليون نسمة، منهم 7,632 مليون يهودي و آخرون مسيحيون ليسوا عرباً و يشكلون بسبة 77%، و هناك 2,067 مليون عربي و يشكلون نسبة 20,8%، و 216 الفا اجنبي و نسبتهم 2,2%، و هذا القانون يكرس عنصرية التفريق بين المواطنة و القومية.
هذا القانون لم يكن موجوداً في جنوب افريقيا، و إلا لكانوا سمحوا لكل البيض في العالم ليتمتعوا بجنسية جنوب افريقيا، بينما السود و الملونون مواطنون و لكنهم لا ينتمون الى القومية.
التمييز في اسرائيل انها تضع قيوداً على الخدمات الإجتماعية، و على ما يجب تدريسه في المدارس، و كذلك في بعض الوظائف، و لا تسمح القوانين الصهيونية لم الشمل للعائلات الفلسطينية، فالفلسطيني في الأرض المحتلة يُحرّم عليه مغادرة بلاده و العودة اليه، و يمنع من حرية التنقل و الإقامة، و للفلسطينيين محاكم مختلفة عن محاكم الصهاينة، و توزع المياة على المستوطنيين الصهاينة بمبالغ رمزية، بينما يضاعف الأمر كثيراً على الفلسطينيين.
الفصل بقانون املاك الغائبين، و بهذا يضمنون سرقة الأراضي على نطاق واسع، فالأراضي الفلسطينيةالمحتلة يعتبرها الصهاينة اراض قومية و نسبتها 93% و هي مخصصة لليهود، و هناك اراض خاصة و نسبتها 7% و هي مخصصة للفلسطينيين، و بهذا نرى ان 20% من السكان لا يمكنهم استغلال سوى 7% من الاراضي.
يتشابه قانون الصهاينة مع جنوب افريقيا في الفصل العنصري؛ في جنوب افريقيا يُفرض على المجمعات العرقية المختلفة ان تعيش في مناطقها الخاصة، و يعمل الصهاينة على منع العائلات الفلسطينية من العيش في المناطق الصهيونية.
تتشابه العنصرية الصهيونية بمثيلتها التي كانت في جنوب افريقيا، فكلاهما مذهبهم التفتيت للأراض، اي سرقة اكبر للأراضي بطرق مختلفة،مثل الجدار الفاصل العنصري، و التدمير الشامل لغزة، و فصل القدس الشرقية عن باقي الضفة الغربية، و تقسيم الضفة الغربية الى شبكة من المستوطنات الصهيونية، و صناعة جيوب فلسطينية محاصرة و غير متجاورة، بهذا لا يدخل الصهاينة الأراضي المخصصة للفلسطينيين، و لكنهم يتمتعون بحرية التنقل في بقية الأراضي الفلسطينية، و حتى ان الصهاينة عملوا طرقاً لسياراتهم يمنع على الفلسطينيين استخدامها.
يقول الجنوب افريقيون ان البيض في بلادهم سابقا لم يكونوا يسيرون الطائرات الهيلوكبتر المقاتلة فوق احيائهم، و لا تُحلق الطائرات المقاتلة فوق مساكن السود، و لا تدخل الدبابات في مناطقهم بعكس ما يقوم به الصهاينة اليوم.
عند تحليل الركائز الثلاث لدى العنصرية الصهيونية، تبرز لنا ما حدث و يحدث في الخليل عندما اقترف عنصري صهيوني مجزرة في في حق الفلسطينيين في مكان عباده!! و مساكن المستوطنون الصهاينه مرتفعة عن مساكن الفلسطينيين مما يجعل الصهاينة يرمون القمامة على رؤوس الفلسطينيين، و يعلون على غلق مداخل مناطق الفلسطينيين ليذهيوب في البحث عن طرق ملتوية للوصول الى و الخروج من منازلهم، و يتعرض الأطفال الفلسطينيين هناك بإنتظام للضرب على ايدي الجنود و المستوطنون الصهاينة، و تم اغلاق شوارع فلسطينية بأكملها لُتسخّر للإستخدام الصهيوني.
للمقارنة بين الفصل العنصري السابق في جنوب افريقيا و بين ما هو حاصل اليوم في فلسطين المحتلة، ان الصهاينة يجمعون بين الإحتلال و الفصل العنصري للفلسطينيين، بينما في جنوب افريقيا كان فقط الفصل العنصري.
محكمة العدل الدولية
عندما شنت إسرائي حرب إبادة ضد الفلسطينيين في غزة أنبرت جمهورية جنوب افريقيا برفع دعوى قضاية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي، و كانت الدعوى بتاريخ 29 ديسمبر 2023م، و بينت بالأدلة المرفقة الوحشية التي ارتكبها الصهاينة، و طلبت من المحكمة ان تعلن سريعاً بأن اسرائيل قد اخترقت التزامها بموجب القانون الدولي منذ السابع من اكتوبر 2023م
و اتهمت جنوب افريقيا إسرائيل بإرتكابها إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، و ان الصهاينة قاموا بأفعال محددة القصد منها تدمير الفلسطينيين كمجموعة قومية و عنصرية و إثنية، و هذا يشكل انتهاكاً للإتفاقية المتعلقة بالإبادة الجماعية التي وقعت عليها إسرائيل.
و أدعت إسرائيل و حلفائها في امريكا و اوروبا بأن الدعوة لتحميل الصهاينة المسؤولية ما هي الا معاداة للسامية، و اتهمت الخارجية الصهيونية بريتوريا بأنها شريكة جنائية في هجمات حماس.
عقدت المحكمة جلستها بشأن العواقب القانونية لسياسات و ممارسات الصهاينة في فلسطين المحتلة، و أصدرت رأياً استشارياً، و اعتبره المحللون بأنه حكما مفصلياً و مقنعا من الناحيتين القانونية و الأخلاقية، و تم إتهام الصهاينة بإنتهاكهم للمادة 3 من معاهدة الأمم المتحدة التي تحضر التمييز العنصري، و تلزم المادة 3 الحكومات بمنع و حضر و استئصال كل اشكال العزل العنصري و الفصل العنصري.
و بسبب التهديدات التي تعرضت له المحكمة من امريكا و إسرائيل يقول المحللون ان الصياغة التي تم بها إدانة اسرائيل من المحكمة يمثل حلاً وسطاً و اقتصرت على الفصل العنصري فقط، قال احد اعضاء المحكمة انه ضد هذا القرار و يطالب المحكمة بالتأكد من معيار "النية" لوجود الفصل العنصري، و هذا يعتبر مستحيلاً إثباته.
و وجدت المحكمة أن اسرائيل يجب ان تعيد الأراضي و الممتلكات الأخرى التي استولت عليها منذ بدء الإحتلال في 1967م، كما عليها إجلاء جميع المستوطنين، و السماح لجميع الفلسطينيين النازحين اثناء الإحتلال بالعودة الى مكان اقامتهم الأصلي، و تعويض كل من عانى من أضرار مادية نتيجة أفعال إسرائيل غير القانونية أثناء الاحتلال.
الخلاصة:
ـــــــــــــــــــــــــ
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية الخميس 21 نوفمبر 2024 مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو و وزير الدفاع السابق غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية.
هذا القرار يعتبر يوماً اسوداً في إسرائيل بحيث اصبحت منبوذة، فبإصدار هذا القرار هناك اكثر من 120 دولة عضو في المحكمة لن يتمكن نتنياهو و غالانت من زيارتها.
لهذا نتمنى على الدول العربية ان تشكل ضغطاً دولياً على المنظمات الدولية لإنتقاد الإحتلال و الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، و ان يمارس الفلسطينيون معارك الحراكات السلمية و العصيان المدني.