قسمة على وجعين
يقلم/ محمد عبد القادر
لا شك أن عصر احتكار كتابة النصوص المسرحية، وقصرها على أسماء بعينها، كذلك تحجيم الأداء المسرحي وقصره على أشخاص دون غيرهم، آخذ في التراجع بشدة، وأن الساحة الآن آخذة في التغير واستقبال شبابا آمن بفكرة الوطن أولا ، وبدور الفن في تحقيق الأهداف العليا للوطن، وبأهمية الارتقاء بعقل المتلقي، واحترامه، ثم بتقديم محتوى راق يعالج قضية مجتعية ويقدم لها حلولا. وذلك هو قمة المراد من العمل الفني.
تجمع كل ذلك في مسرحية " قسمة على وجعين". والتي حظِيتُ بدعوة أمس لحضورها من مؤلفها الشاب الصعيدي الرائع والشاعر الكبير/ محمد المساعيدي، والذي حاز في العام المنصرم على احدى الجوائز العربية الكبرى في الشعر. وعضو اتحاد كتاب مصر.
لقد أبهرني موضوع المسرحية والذي يعالج في جرأة نادرة قضية تؤرق المجتمع كل عدة سنوات، فتوقف نموه أو تعيده سنوات للخلف، ألا وهي قضية التعصب الديني، والتي تجنب الكثير من كتاب "النخبة" أن يخوض فيها إيثارا للسلامة، فإذا به يقدمها بأسلوب سهل ممتنع، وبصورة غير تقليدية تضع كل أمام مسئوليته، مؤكدا على وحدة الصف والمواطنة كما يجب أن تكون، مركزا على الثوابت الوطنية التي تجمع أبناء الوطن الواحد، مشيدا بكل جهد يئد تلك الفتن – على قلتها - في مهدها.
وأود هنا أن أشير إلى قدرة مخرج العمل على تفهم المراد من النص وتحويله إلى عمل مسرحي حي ينطق بكل ما أراد الكاتب أن يقوله. فجاءت شخصيات الرواية متماهية تماما مع ما أراد الكاتب قوله، وأحسن اختيار الشخصيات فأدى كل دوره خير أداء. ومن المهم أن يعرف الجميع أن هؤلاء ليسوا فنانين او ممثلين محترفين، ولكن أغلبهم ربما يمثل لأول مرة، أقول هذا لأدلل على مدى الجهد الذي بذله مخرج العمل ومساعدوه والمؤلف مجتمعين ليخرج ذلك العمل المتكامل إلى النور، رغم قلة الامكانيات المساعدة (الصوتية والاضاءة)الواضحة.
ولا أنسى هنا أن أشيد بالدعم اللامحدود المقدم من الأديبة والشاعرة د. سلوى زكري، الشخصية البارزة في المجال الثقافي،ومؤسسة صالون سلوى زكري الثقافي ، والمساندة المطلقة منها لذلك العمل كي يرى النور. كما لايمكن أن أغفل ملاحظة أن يسبق العرض عزف السلام الوطني لجمهورية مصر العربية في إشارة لا تخطئها العين للمحتوى المزمع عرضه.
لقد انصهر كل عناصر العمل الفني في بوتقة واحدة بين نص رائع لكاتب مبدع ومخرج متمكن من ادواته، وممثلين هواة فاقوا المحترفين قدرة على الاقناع، فأخرجوا لنا عملا نفتخر به. وأثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أنه عندما تتوفر الارادة، وتخلص النوايا، وتنحى المصالح الشخصية، فإن النجاح يكون البديل الحتمي.