المملكة باتت ”قِبلة” هواة السفر ومحبي المغامرة والمهتمين بالتراث على مستوى الشرق الأوسط والعالم
كتب-محمد حلمى
تمضي المملكة العربية السعودية بخطى ثابتة على طريق تحقيق التفوق النوعي في صناعة السياحة والترفيه لتصبح واحدة من أهم الأسواق الصاعدة والواعدة في هذا القطاع على مستوى الشرق الأوسط بفضل الاهتمام والدعم الكبير الذي توليه المملكة لتلك الصناعة على كافة المستويات.
وأشاد صندوق النقد الدولي، في تقريره الصادر في شهر سبتمبر الحالي -بعد اختتام "مشاورات المادة الرابعة 2024"-، بالإنجازات والقفزات الكبيرة وغير المسبوقة التي حققها قطاع السياحة بالمملكة في إطار رؤية المملكة 2030.
وثمّن التقرير بشكل خاص الجهود التي تُبذل لتنويع القاعدة الاقتصادية في قطاع الخدمات، حيث برز قطاع السياحة بصفته أحد أهم القطاعات في المملكة، مشيرًا إلى أن قطاع السياحة سجّل مستويات غير مسبوقة من حيث عدد الزوار، وحجم الإنفاق، وخلق فرص العمل، والإسهام في الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح التقرير أن المساهمة المباشرة وغير المباشرة لقطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 11.5% في عام 2023م، كما كشف توقعات بنمو مساهمة القطاع إلى 16% بحلول عام 2034م.
وخلال العقد الأخير أصبحت المملكة العربية السعودية رقما هاما في معادلة السياحة والترفيه بالشرق الأوسط بفضل الخطة الطموحة التي يجري العمل عليها لتطوير المقاصد السياحية القائمة واستحداث المزيد منها والاستفادة من الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به المملكة وإطلالتها الاستثنائية على سواحل البحر الأحمر بما يضمه من جزر خلابة وحياة مائية ليس لها مثيل على مستوى العالم.
وتستهدف المملكة وفقا لرؤية 2030 الوصول بعدد الزيارات السياحية السنوية لنحو مائة مليون سائح بحلول عام 2030 بما يوفر حوالي مليون فرصة عمل جديدة للشباب السعودي ويساهم بنحو 10% من إجمالي الناتج المحلي للمملكة.
ووفقا لتقرير صندوق النقد الدولي فإن حساب السفر بميزان المدفوعات قد سجّل فائضًا تاريخيًا بلغ 12.8 مليار دولار خلال عام 2023م، أي بزيادة سنوية تتخطى نسبة 38%، ما يجعله البند الأعلى في ميزان الخدمات من حيث الفائض.
وأشاد التقرير أيضًا بتجاوز قطاع السياحة في المملكة الهدف الذي حددته رؤية المملكة 2030، المتمثل في استقبال 100 مليون سائح محلي ودولي، بعدما وصل عدد السياح في المملكة إلى 109 ملايين سائح محلي ودولي في عام 2023م، أي قبل سبع سنوات من الموعد المحدد.
ولفت إلى أن قطاع السياحة شهد زيادة في أعداد السياح الدوليين القادمين للأغراض غير الدينية، وخاصة للترفيه وزيارة الأصدقاء والأقارب، متوقعًا أن تسهم الفعاليات الدولية الكبرى القادمة مثل منافسات "فورمولا 1"، وكأس آسيا 2027، ومعرض إكسبو العالمي 2030، في زيادة نمو أعداد السياح القادمين إلى المملكة.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تسارع المملكة في تنفيذ مشروعات ومبادرات تستهدف تدشين وجهات سياحية ذات تنوع جغرافي وتاريخي فريدة من نوعها، وتسلط الضوء على الموارد الطبيعية والكنوز الأثرية والأماكن التراثية، التي تلبي تطلعات السياح.
ونجحت الهيئات المعنية بملف السياحة والترفيه في جعل المملكة نقطة جذب لحركة السياحة الترفيهية والتراثية والثقافية على مستوى الشرق الأوسط، ووضعتها على خريطة السياحة العالمية، عبر استضافة فعاليات رياضية عالمية للمرة الأولى بالمنطقة العربية، توازياً مع الحراك الثقافي والفني الذي نجحت الهيئة العامة للترفيه في تأسيسه.
ويلقي هذا التقرير الضوء على أهم الفعاليات والوجهات السياحية والترفيهية التي تحظى بها المملكة العربية السعودية:
مواسم السعودية
تهدف الهيئة العامة للترفيه إلى "تطوير وتنظيم قطاع الترفيه، من خلال التعاون مع مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص، كما تسعى إلى توفير ما يقرب من 267 مليار ريال للاستثمار في بناء البنية التحتية الترفيهية، إلى جانب توفير أكثر من 114 ألف وظيفة مباشرة، و110 آلاف وظيفة غير مباشرة.
وانتجت هيئة الترفيه السعودية كثير من البرامج والمسلسلات والأفلام واستقطبت العديد من
النجوم العربية والعالمية في فعالياتها الغنائية والموسيقية. وباتت العديد من مواقع الترفيه
السعودية مصنفة ضمن الأفضل في منطقة الشرق الأوسط على مواقع السفر، ما يجذب مستقبلاً
قطاعاً من السائحين خاصة مع تمتع بعضها بمساحات شاسعة تصل إلى 15 ألف متر، بجانب
التنويع في الخدمات الترفيهية المقدمة.
كما تنظم الهيئة عشرات الحفلات الغنائية التي تستقطب كبار نجوم الفن والطرب العربي، وحققت
تلك الحفلات نجاحا استثنائيا ويترقبها الجمهور العربي من المحيط للخليج.
أعلنت المملكة عن إطلاق "مواسم السعودية" في عام 2019 وهي عبارة عن فعاليات واحتفالات على مدار السنة تقام بشكل سنوي بشكل مواسم في مختلف مناطق المملكة وتنقسم مواسم السعودية إلى 11 موسم تتضمن التالي: موسم الرياض، موسم جدة، صيف في عسير، موسم الطائف، موسم السودة، موسم اليوم الوطني، موسم الدرعية، لحظات العلا، موسم حائل، موسم رمضان ثم موسم عيد الفطر.
ونجحت مواسم السعودية في جذب الملايين من الزائرين، حيث تشمل أنشطة كل موسم أكثر من 7500 يوم فعالية، ونحو 10 معارض عالمية، وأكثر من 350 عرضًا مسرحيًّا، إضافةً إلى معرض ومزاد سيارات عالمية، وأكثر من 70 مقهى، و200 مطعم، وبطولة ألعاب إلكترونية، وأكثر من 100 تجربة تفاعلية.
سياحة الآثار
تزخر المملكة العربية السعودية بعدد من المواقع الأثرية التاريخية التي تدل على قدم وعراقة هذه المنطقة والتي تروي أروع القصص عبر العصور التاريخية المختلفة، حيث تمتلك المملكة ارثاً حضارياً عريقاً موغلاً في القدم يمتد منذ العصور الحجرية القديمة مروراً بالعصور التاريخية والاسلامية بالإضافة الى أجمل المناطق المزدهرة حضارياً وعمرانياً والمتمثلة في القصور والحصون والمنشآت العسكرية والدينية القديمة والمقتنيات الأثرية، وأروع اللوحات والنقوش التي ابدع بها القدماء في عدد من المناطق المنتشرة في أرجاء المملكة مثل مدائن صالح التي تقع في محافظة العُـلا، وتحتل موقعاً استراتيجيا على الطريق الذي يربط جنوب الجزيرة العربية ببلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر، ومدينة الدرعية القديمة التي تقع في شمال غربي الرياض وتعد أحد أهم الوجهات التراثية المعترف بها من قبل منظمة اليونسكو.
أما مدينة جدة التاريخية فيمكن لزائريها الاستمتاع بالمباني التراثية ذات الطراز العمراني المتميز لحوض البحر الأحمر، حيث تضم المدينة عدداً من المعالم والمباني الأثرية والتراثية المهمة، من أبرزها المساجد التاريخية ذات الطراز المعماري الفريد، فضلا عن ينبع التاريخية التي تضم آثار كانت شاهدة لعبور حضارات وشعوب وقبائل وأحداث تاريخية صاخبة، إذ يقدر عمرها بنحو 2500 عام، و موقع دادان الأثري وجبل عِكمة الذي يعد أحد عجائب العلا الأثرية التي أسرت العالم حيث حُفرت مقابر دادان التي يعود تاريخها إلى أكثر من 2000 عام، بمهارة وحرفية مذهلة في المنحدرات الصخرية وتعتبر شاهداً حقيقياً على حضارات قديمة ازدهرت في العلا لآلاف السنين، فضلا عن برج الطوية الأثري الذي يعد برجا طينيًّا يحكي قصة مجد حفظت في ذاكرة التاريخ، يقع في غرب محافظة الجبيل بالمنطقة الشرقية، شيد بأمر من المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود عام 1928م، تزامنًا مع فترة نشأة مدينة الجبيل آنذاك، إذ يعد البرج إرثًا تاريخيًّا ومعلمًا مهمًّا في المنطقة، يفد إليه السياح وهواة الآثار والتاريخ.
أما القرية الشعبية بالدمام فتعد المكان الذي تلتقي فيه بماضي المملكة العربية السعودية، وتراث مناطقها، على مساحة تمتد إلى 21 ألف متر مربع، فعمارته الجميلة تخبئ في داخلها تاريخًا عريقًا، وموقع عين زبيدة الذي يمثل إرثًا حضاريًا هندسيًا في أرض مكة المكرمة، يبرز الاهتمام بسقاية حجاج بيت الله الحرام منذ القدم، فهي أقدم وأهم شبكة مائية ظلت تسقي الحجاج والمسافرين وأهالي مكة على مدى 1200 عام، وقرية رجال المع التراثية التي هي بمثابة الجوهرة الواقعة على بعد 45 كم من مدينة أبها. تتميز القرية بمبانيها الحجرية الملونة وطرازها المعماري الفريد الذي يعكس تاريخاً يمتد لـ 700 عام. وقد نالت القرية اعترافاً عالمياً كواحدة من أفضل القرى السياحية، لتصبح كنزاً حافلاً بالقصص الثقافية والمعروضات النادرة.
المزارات الطبيعية
من الصحراء المفتوحة على المدى بكثبانها وأوديتها إلى صفاء سمائها المزينة بالنجوم كالمصابيح، إلى المرتفعات الجبلية التي تزهو بنباتاتها وزهورها ووديانها وينابيعها، إلى الشواطئ البحرية والجزر المنثورة كحبات اللؤلؤ؛ تذخر الطبيعة في المملكة بالكثير من المزارات الطبيعية المتمثلة في العيون والينابيع الدائمة والموسمية المنتشرة في عدد من مناطق المملكة، وتعتبر مصدرًا لمياه الشرب والزراعة، وتجلب الزائرين للتمتع برؤية مياهها المتدفقة، وبالبيئة الطبيعية الصخرية والنباتية المحيطة بها، كما يجد فيها البعض فرصة للسباحة والترويح، بالإضافة للعلاج في الينابيع الحارة التي تمتاز بخصائص طبيعية فيزيائية وكيميائية. ومن أشهرها عين سمحة وعين أم خيسة وعين خفس دغرة وعين فرزان وعين الضلع الواقعة في الجنوب الغربي من السيح، أما الواحات الصحراوية فتنتشر على رقعة الصحاري السعودية التي تحفها الأشجار والنخيل والبساتين الخضراء، حيث تحاط الواحات الصحراوية بغطاء رملي يمنحها منظراً طبيعياً خلاباً، ويسود فيها نمط وأسلوب زراعي متميز لا يوجد إلا في المناطق الصحراوية ومن أشهرها واحة الإحساء.
المحميات الطبيعية
اختارت المملكة مناطق معينة تتميز بخصائص طبيعية لتكون محميات طبيعية لحماية وإنماء النباتات والحيوانات البرية، وقامت بإنشاء مراكز أبحاث تهتم بالحياة الفطرية، ومن أهم هذه المحميات محمية عروق بني معارض في الربع الخالي، محمية الوعل شرقي الرياض، جزر فرسان في مياه البحر الأحمر، بالإضافة لعدد كبير من المحميات الطبيعية الأخرى. ومن أشهرها: واحة بيرين وواحة الحسو.
الشواطئ والجزر
تضم المملكة العربية السعودية عددًا كبيرًا من الجزر التي يصل عددها الى 1300 جزيرة، منها 1150 جزيرة في البحر الأحمر، و150جزيرة في الخليج العربي. تمتلك هذه الجزر والشواطئ مقومات جذب سياحي خيالية، وهي جزر ذات أصول مرجانية، ورملية، وقارية، وبركانية، وتطرز حواف الشواطئ بالرمال الناعمة، والمرتفعات الجبلية، والتجمعات النباتية، إضافة لشعابها المرجانية المتنوعة، مما يؤهلها لتكون مقصدا سياحيا للصيد والغوص والاستجمام في معظم فصول العام. ومن أشهرها: جزيرة أبو علي وجزيرة حرقوص وجزيرة تاروت وجزيرة آمنة وجزر فرسان وجزيرة سجيد (السقيد).